الأربعاء، 18 يناير 2012

بين الفلسفة والدين

الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

جامعــة فرحــات عبـاس

كلية الآداب والعلوم الإنسانيـة

logo2

قسم : العلوم الإنسانية و الاجتماعية المجموعة : د

المقياس : فلسفة عامة الفوج : 04

بحــــث حــول

Rectangle à coins arrondis: بين الفلسفة والدين


تحت إشراف الأستاذ(ة):

مسالتي ع. المجيد

مـن إعدادا لطلبة :

- جبارة ياسمينة

- نسيمة أفتيس

- خالد كنزة

Zone de Texte: السنـة الجـامعيـة : 2011/2012


عنوان البحث بين الفلسفة و الدين

خطة البحث:

مقــدمة:

الفصل الأول : ماهية الفلسفة و الدين

المبحث الأول : تعريف الفلسفة بشكل عام

المبحث الثاني : تعريف الدين

الفصل الثاني : نظرة ابن رشد إلى للفلسفة

المبحث الأول : نشأة مسألة الدين و أسباب أهميتها بشكل عام

المبحث الثاني : دور الغزالي في جعلها مسالة وجب فيها القول عند ابن رشد

المبحث الثالث : مدخل ابن رشد إلى هذه المسألة

المبحث الرابع : رأي ابن رشد فيها و القول بالفصل و التلاقي

الفصل الثالث : الفصل في المسألة

المبحث الأول : المحاضرات في الفلسفة الدين (هيغل)

المبحث الثاني: أوجه التشابه بين الفلسفة والدين

المبحث الثالث : التوفيق بين الحكمة و الشريعة.

خاتمــة

قائمة المصادر و المراجع

مقـــدمة :

إن الفلسفة في مسارها درست وعالجت عدة قضايا تهم الإنسان ، إلا أنها اتهمت من قبل بالكفر و الزندقة بالرغم من أنها لا تبادل العنف بالعنف ما دامت كلها حكمة و اتزان و رجوع إلى الصانع الموجودات ، فهذا الكلام يدل على أن التوفيق بين الفلسفة و الدين لم يكن لدى المسلمين و المسيحيين و غيرهم .

الأمر اليسر في مطلع حضارتهم نظرا لاختلاف مصدر كل واحد منهما لاعتبارات دينية أخرى من هنا نطرح الإشكالية التالية: كيف و إلى أي مدى يمكن التوفيق بين الدين و الفلسفة ؟

الفصل الأول: بين الفلسفة و الدين

المبحث الأول : تعريف الفلسفة بشكل عام :

الفلسفة هي دراسة الوجود بواسطة العقل دراسة لا تعتمد على إيمان مسبق ، و الكلمة من أصل يوناني معناها حب الحكمة ، و الفيلسوف هو المحب للحكمة .

وقد عرف أفلاطون الفلسفة بأنها (المعرفة حقيقية بصورة مطلقة) ، وعرفها أرسطو بأنها (علم نظري بالمبادئ و الأسباب الأولى ) ، و كان التحري عن الحقيقة في كل شيء هو الهدف الذي سعت إليه الفلسفة ، غير أنها أخذت بعدئذ معنى أخر يدل على الإكثار من دراسة العلوم ويتضح ذلك مما ذكره ابن سينا في كتب النجاة '' قولك فلان كثير علمه معادل لقولك فيلسوف'' ، فهو هنا يعرف الفيلسوف بأنه من كان كثير العلم .

ويجب أن نوضح هنا العلاقة بين الفلسفة و العلوم ، فان الفلسفة التي قلنا عنها أنها معرفة الحقيقية أو التحري عن الحقيقة لابد و أنها ستؤدي إلى العلم ، إذ أن وصول الإنسان إلى الحقيقة هو بحد ذاته علم ، و أن العلوم هي مجموعة الحقائق ولذلك قيل أن الفلسفة هي محاولة الوصول إلى العلم و ليست العلم نفسه ،أي أنها ممهدة لكل علم ، بل هي كما يقال ( علم العلوم ) ، فإذا صارت القضايا المختلفة فيها حقيقة ثابتة فقد خرجت من نطاق الفلسفة ودخلت نطاق العلم ، و بهذه الطريقة انفصلت العلوم عن الفلسفة فاستقلت الفيزياء أولا في القرن السابع عشر ثم الرياضيات و الفلك و الطب ، ويرجع الفضل إلى كانت في التمييز الواضح بين الفلسفة و العلم و بالشكل الذي نفهمه عنهما في الوقت الحاضر . ويقول مورتس شليك Moritz Schlich في كتابه" مستقبل الفلسفة '' أن الفلسفة هي النشاط فكري

Activity ولست علما .و يمكن القول أن الفلسفة هي ''منهج عقلي لا محدود '' :

فهي ''منهج'' لأنها ليست علما له أصوله و قواعده .

و هو ''عقلي '' لأن العقل هو وسيلته دون سواه .

و هو ''لا محدود '' لان البحث فيه يشمل كل شيء و لا يحده شيء.

المبحث الثاني : تعريف الدين

الدين هو مجموعة منة الأوامر و النواهي الموجهة إلى البشر ، مصدرها الوحي الإلهي

الفصل الثاني :نظرة ابن رشد للفلسفة

المبحث الأول :نشوء مسالة الدين و أسباب أهميتها بشكل عام

..لقد رام ابن رشد مثل أي مفكر حر و حريص على مستقبل أمته .... أعاد ذلك الحوار الطبيعي و المفتوح بين كل من الشريعة و الحكمة ....إيمانا منه بان لا الحياة و لا تجديد للأمة سواء من حيث عقيدتها و فكرها و تراثها بدون الحكمة و الشريعة ، إيمانا بأنهما لا تتعارضان ودلك كان هدف تلك المواجهة الفكرية الرائعة التي تصدى فيها ابن رشد للإمام الغزالي ...مواجهة بين مشروع ثقافي يرى أن عودة الأمة الإسلامية إلى مجدها الغابر تمر حتما عن طريق التفتح الواعي على الأخر ...و بين مشروع ثقافي لا يرى سبيلا لمثل تلك العودة إلا بالانغلاق عليه([1]).

تنويه : لم تكن المناظرة برأي الشخصي إلا مناظرة المؤمنين و الحق بأن ابن رشد لم يكذب الغزالي كما زعموا انه عدوا الغزالي و ناقده و مخالفه في كل أموره حتى انه وضع في نقده كتابه المشهور"تهافت التهافت '' ردا على كتاب "تهافت الفلاسفة " و لم يكن يكذب المتكلمين من الأشاعرة في الأمور الجوهرية .. و الذي جعل الناس يظنون فيه الظنون يرجع إلى أسباب كثيرة منها ...قصة الإيمان

العرضي : لان ابن رشد أولع بفلسفة أرسطو و شرحها شرحا مفصلا .

الجوهري : أن ابن رشد كان يستصعب لنفسه و الأصح لغيره... الأدلة النظرية المركبة ( كدليل الحدوث و دليل الوجوب و الذين قال بهم الفلاسفة و اعتمد عليها المتكلمون .. أكثر مما اعتمدوا على الاستدلال على معرفة الله ...فقد كان على العكس منهم يفضل عليهما دليل النظام الذي يسميه و هو :"دليل العناية و الاختراع " .. وهناك أمور كثيرة تكلم فيها لمعنى الحدوث و القدم ...و معنى الإرادة و من الطريف انه كما ورد في كتاب قصة الإيمان (انه تعمد في بعض ردوده على المتكلمين أضعاف أوجه استدلالهم ...و هو يدرك أن بعض الضعف في كلامه ...لكن دون أن يحاول إبطال أدلة قام البرهان العقلي القاطع عليها ... و على صحتها ...([2]).

حيث انه كان يتفلسف كما ذكرت سابقا في إيضاح معنى القدم و معنى الإرادة من اجل أن يبرهن أن أرسطو و عدد من الفلاسفة الكبار لم ينكروا وجود الله ... ولم ينكروا صفة الإرادة ...على عكس من الغزالي ...؟ .

المبحث الثاني :دور الغزالي في جعلها مسألة و جب القول فيها عند ابن رشد:

لقد تصدى الغزالي للخطاب الفلسفي السينوي فناقشه من جهة انه خطاب (متهافت متناقض ) لا يلتزم بما شرطه الفلاسفة في المنطق أي لا يتقيد بالصرامة المنطقية من يترك الثغرات ويستعمل المغالطات حتى إذا انتهى من بيان التهافت هذا الخطاب ..عاد إلى النظر فيه من وجهة النظر الفقيه المفتي فقال عنه انه خطاب عجز عن إثبات حدوث و علم الله للجزئيات و حشر الأجساد و بالتالي فهو يقرر العكس فيقول بقدم العالم و بان الله لا يعلم الجزئيات و بان الحشر لن يكون للأجساد و هذا في نظره يخالف الدين و يتعارض معه ... ومن هنا حكم بالكفر على الفلاسفة في هذه المسائل الثلاث و بدعهم في المسائل الأخرى ... بل لقد حذر الغزالي من التعاطي الفلسفة ([3]).. .. حيث انه التمس لكل منها ذريعة لمنع الخوض فيها .... و على سبيل المثال : الرياضيات من هندسة وحساب فهي "آفة عظيمة " كما قال .... حيث أن المتعاطي لها قد يعجب بمنهجها و دقة براهينها فيحسن بذلك اعتقاده بالفلاسفة و يحسب أن جميع علومهم في الوضوح و وثاقة و البرهان كهذا العلم ..فينقاد بذلك إلى حسن الاعتقاد فيما يقررونه في الإلهيات .....حيث يقول الغزالي فهذه آفة عظيمة لأجلها يجب زجر كل من يخوض في تلك العلوم ....كما يقول على آفة أخرى على حد قوله: إذ ربما ينضر في المنطق أيضا من يستحسنه و يراه واضحا فيظن أن ما ينقل عن الفلاسفة من الكفر مؤيد بمثل تلك البراهين فيعجل بالكفر قبل الانتهاء إلى العلوم الإلهية، وقد أنكر الغزالي كما الاشاعرة بخصوص الطبيعيات أنها مبنية على القول بالسببية ...أي ارتباط المسببات بالأسباب ...يدعو أن في ذلك إنكار لمعجزات الأنبياء في كتابه ، و هو قسمان على حد قوله (يقصد العلم المدني )

1- السياسة : فان كلام الفلاسفة فيها مأخوذ من كتب الله المنزلة على الأنبياء ...و من الحكم المأثورة عن سلف الأنبياء فلا حاجة لها .

2- الأخلاق : فان كلامهم مأخوذ من الصوفية ، وهكذا يقرر الغزالي بصورة أو بأخرى تحريم النظر في كتب القدماء و علومهم جملة وتفصيلا و قد قرر ذلك بصيغ مختلفة في كتبه ، الاقتصاد في الاعتقاد ، فيصل التفرقة بين الإسلام و الزندقة ، المنقذ من الضلال، وتهافت الفلاسفة ...الخ و أرى من وجهة نظري أن البديل عنده أي الغزالي على عكس من ابن رشد ...و هو التصوف كما قال في كتابه "هو إثبات ودليل عليه لا له حيث يقول "إني علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون الطريق إلى الله تعالى ..إلى قوله "بل لو جمع عقل العقلاء و حكمة الحكماء وعلم ليغيروا شيئا من سيرهم و أخلاقهم و يبدلوه بما هو خير منه ...لم يجدوا إلى ذلك سبيلا .

المبحث الثالث : مدخل ابن رشد إلى هذه المسالة :

يقول ابن رشد عن الغزالي "لقد لحقه القصور من هذه الجهة ..." و المقصود بالقصور انه من المستبعدة بأنه بحث في أراء الفلاسفة اليونانيون في مصادرهم الأصلية ومن ذلك أصبح لديه نوع من القصور الظالم الذي دفعه للظلم و الحكم عليهم بالكفر ؟

ومن هنا فان ابن رشد قد انتبه أفصح عنه عندما كان يناقش ردود الغزالي على الفلاسفة فقد لاحظ تخليطه للمسائل و عدم فهمه لأصولها و فصولها ...حيث أن ابن رشد تميز بدافعه عن الفلاسفة نتيجة سعة اطلاعه و علمه الواسع ..فهو لم يدافع عن الفلسفة بالفلسفة بل دافع عنها بالفقه ....و هكذا واجه الغزالي و غيره ممن ينهى عن النظر في الكتب القدماء وواجههم داخل الشرع و بالاستناد إلى أصوله ...و القرآن و الحديث و المنطق ..و كان "فصل المقال '' من الردود الأساسية التي كان ابن رشد يريد إيضاحها و الدفاع عنها ([4])

المبحث الرابع : رأي ابن رشد فيها و القول بالتوفيق و التلاقي :

حيث انه يقول في كتابه ([5]) قال "فان الغرض من هذا القول أن نفحص على جهة النظر الشرعي هل النظر في الفلسفة و علوم المنطق مباح بالشرع ..؟ أم محظور ؟ أم مأمور النظر به ؟ فهل هو إما على جهة الندب أو على جهة الوجوب ؟ فيقول أن كان فعل الفلسفة ليس شيئا أكثر ن النظر في الموجودات و اعتبارها من جهة دلالتها على الصانع بمعرفة صنعتها ....و انه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتم . و توصل إلى التالي " فأما أن الشرع دعا إلى اعتبار الموجودات بالعقل ...و تطلب معرفتها به فذلك بين من غير ما أية من كتاب الله تبارك وتعالى ...مثل قوله "فاعتبروا يا أولى الأبصار " و هذا النص على وجوب استعمال القياس العقلي و الشرعي معا ...و قوله تعالى "أو لم ينظروا في ملكوت السموات و الأرض و ما خلق الله من شيء " و هذا النص بالحث على النظر في جميع الموجودات .

و إذا تقرر أن الشرع قد اوجب النظر في العقل في الموجودات و اعتبارها ...و كان الاعتبار ليس شيئا أكثر من استنباط المجهول من المعلوم ..و استخراجه منه و هذا هو القياس ...فواجب أن نجهل نظرنا في الموجودات بالقياس العقلي . وإذا كان الشرع قد حث على معرفة الله تعالى و سائر مجوداته بالبرهان و كان من الأفضل و أن الأمر الضروري لمن أراد أن يعلم الله تعالى و سائر الموجود بالبرهان أن يقدم أولا ...فيعلم أنواع البراهين و شروطها ..بماذا يخالف القياس ألبرهاني القياس الجدلي ..و الخطابي و القياس ألمغالطي و كان لا يمكن ذلك دون أن يتقدم فيعرف قبل ذلك القياس من المطلق و كم أنواعه و ما منه قياس و ما منه ليس بقياس ... وذلك لا يمكن أيضا إلا و يتقدم فيعرف قبل ذلك أجزاء القياس ...فقد يجب على المؤمن بالشرع المتمثل أمره بالنظر في الموجودات أن يتقدم فبل النظر فيعرف هذه الأشياء التي تكون من النظر مكانة الآلات من العمل ...فانه كما الفقيه يستنبط من الأمر بالتفقه في الأحكام وجوب معرفة المقاييس الفقهية على أنواعها ....و ما منها بقياس وما منها ليس بقياس كذلك يجب على العرف أنو ما منها بقياس وما منها ليس بقياس كذلك يجب على العارف أن يستنبط من الأمر بالنظر في الموجودات و جوب المعرفة.

القياس العقلي و أنواعه ، ...بل هو الأحرى بذلك لأنه إذا كان الفقيه يستنبط من قوله تعالى : "فاعتبروا يا أولي الأبصار " وجوب معرفة القياس الفقهي .

وليس لقائل أن يقول إن هذا النوع من النظر في القياس العقلي بدعة هذا لم يكن في الصدر الأول فان النظر أيضا في القياس الفقهي و أنواعه هو شيء استنبط بعد الصدر الأول و ليس يرى انه بدعة...فذلك يجب أن يعتقد في النظر القياس العقلي ، ولهذا السبب ليس هذا موضع ذكره بل أكثر أصحاب هذه الملة مثبتون القياس العقلي إلا طائفة من الحشوية قليلة و هم محجوجون بالنصوص من حيث الاستفادة من جهود القدماء فانه يقول (عن كتاب فصل المقال )

" وإذا كان هذا هكذا ...فقد يجب علينا إنا ألفينا لمن تقدمنا من الأمم السالفة نظرا في الموجدات واعتبارا لها بحسب ما اقتضته شرائط البرهان أن ننظر في الذي قالوه ، فما كان منها موافقا للحق قبلناه و شكرناهم عليه .....و ما كان منها غير موافق للحق نبهناهم عليه و حذرنا منه وعذرناهم فقد تبين من هذا أن النظر في كتب القدماء واجب بالشرع .

إشكالية التوفيق بين الفلسفة و الدين :

إن كان الفكر اللاتيني في القرن الثالث عشرا يتناول هذه المشكلة عند ابن رشد فلأنه ببساطة أدرك بان المشكلة غير قائمة أصلا ، و إن هم ابن رشد كان الدفاع فقط عن حقه في الحرية الفكرية أمام متشددين محتملين من أبناء دينه ، و بالتالي فان أهميته الفلسفية العامة محصورة جدا و أنية جدا ، ومن هنا كان إحجام المترجمين عن نقل النصوص لاتهم الفكر الفلسفي العام ، بل تختص بإشكالية تتمي إلى عصر معينة لثقافة معينة .

و الواقع إن مشكلة التوفيق بين الدين والفلسفة غير قائمة في الفلسفة العربية إذا من الواضح أن كل فريق.

كان قد اختار معسكره و احتمى في خندقه ، وكان القول الفصل في النهاية ليس للمنظر الفلسفي أو المتعصب المذهبي بل للحاكم و هو الفاصل في أمر ترك الفلاسفة و العلماء ، يكملون أبحاثهم بحرية أو يقمعون ، فبعد الحاكم يشجع العلم و يحث عليه يأتي أخر من بعده فيحرق في الساحة العامة كل الجهد الذي يبذل قبله ، حتى تبدو العلوم عند العرب كانتصار متقطع بالرغم من وجود خصم دائم يمكن أن يهدد مسيرتها في كل لحظة ، ولقد قيل بان الحرية الفكرية و العلمية قد ماتت مع بداية خلافة المتوكل ، أي أنها لم تعمر كثيرا في المشرق العربي ، غير أن كل هذا القول غير دقيق ،...لقد كانت اللغة العربية أقوى من رقابة أي حاكم ، وقد سمحت للعلوم أن تزدهر ، فان قمعت في مكان كان هناك مكان آخر تنتقل إليه ، و الفلسفة في الأندلس خير دليل على ذلك ، فهي لم تزدهر إلا في القرن الثاني عشر ، وبلغت مع ابن باجة و ابن طفيل و ابن رشد ذروة من العطاء تشكل نقطة مشرقة في جبين الفكر العالمي بعد أن كانت الفلسفة قد خبت تماما في المشرق .

حين بدأت فلسفة أرسطو و معها شروحات ابن رشد و آراءه ، أدرك توما الاكويني و هو رجل الكنيسة انه بالرغم من انقسام الناس حولها ، ورفض البعض لها لم يعد باستطاعة الكنيسة أن تقف في وجه تيار عقلاني جديد جارف ، وبالتالي لابد للكنيسة من أن تستوعب الفلسفة المشائية و تهضمها ، دون أن تتزعزع من الداخل ، وحدوث زلزال تكون له عواقبها الوخيمة على كل المجتمع الغرب المسيحي ، ولقد أمده ابن رشد بحل رائع لذلك ، فلقد استخدم الاكويني تكتيكا ذكيا خلاصته أن فلسفة أرسطو لا تتعارض إطلاقا مع التعاليم المسيحية و مبادئها ، و التعارض الحاصل أحيانا جاء بسبب الشروحات المحترفة التي ادخلها لعربي ابن رشد ، المشائية هي إذن فلسفة رائعة لا تتعارض مع الإيمان ، وكل المسائل التي تتصادم مع الدين ،إنما بسبب العربي ، الفلسفة الاروسطوطاليسية بريئة إذن كل من تصادم مع الدين ، ولذا يمكن أن تتصالح تماما مع هذا الأخير أن تبني مثل هذا التكتيك لم يمنع الاكويني من احترام ابن رشد و الاستشهاد بآرائه باستمرار في شتى مصنفاته و بفضل الاكويني و بالرغم من إدانته في البداية ، ستصبح الفلسفة المشائية الفلسفة الشبه الرئيسية للكنيسة الكاثوليكية على مدى قرون طويلة

مثل هذا الأمر لم يحصل داخل الفلسفة العربية ،ة ولقد ظل التوتر قائما و لم ينفع ابن رشد كتابته للدفاع عن حقه في التفلسف و التأويل ، فكانت محنته بعد ذلك بسنوات ، و كل الذين يقولون بان جهده للتوفيق بين الدين و الفلسفة قد ذهب سدى ولم يستمع إليه احد من ملته ينسون الحقيقة انه فقط يطالب بحقه في الحرية وفي البحث العلمي ، وان كتبه هامشية لا تؤثر لو حذفت كلها في مسيرته الفلسفية ، وإذا كان همه كتابة الموسوعة الأخيرة المنقحة التي تتضمن كل الفلسفة.

الفصل الثالث : الفصل في المسألة

المبحث الأول :المحاضرات في فلسفة الدين (لهيقل):

إن الفكرة التي تسود هذه المحاضرات هي أن موضوع الدين هو في العمق موضوع الفلسفة نفسه ،انه المطلق أو الله ، فالمضمون النظري هو نفسه .غير أن ما يدركه الدين بشكل حسي وصوري ، أي بالتصور، تعقل الفلسفة بشكل مطابق عن طريق المفهوم وبمعنى آخر إن وحدة النهائي واللانهائي التي تفكر فيها الفلسفة بواسطة المفاهيم ، يشعر بها الدين ويتخيلها ، غير انه يغل يعارض هنا وجهة نظر الفلسفة العاطفة (مثلا جاكوبي و شلاير ماخر ) كما يعارض أيضا وجهة نظر فاهمة (الفولفيون وكانط نفسه) فهذان الاتجاهان يجعلان من اللانهائي هو في النهائي و النهائي هو اللانهائي ، وان توفق بين العاطفة الدينية و الفاهمة من وجهة نظر العقل ، لاشك أن في العاطفة قد يكمن مضمون ذو قيمة ، و إنما بصورة غامضة ، فلا شيء يضمن حقيقته ....إن صورة العاطفة ليست سوى الجانب الذاتي ،أما من الجانب الموضوعي فان مضمون الدين يتخذ صورة التصور ، غير انه خذه الأخيرة ليست بعد متحررة حقا من الصور الحسية ، لذلك فان الفكر النظري وحده يبرز هذا المضمون في وضوحه التام .

إن العلاقة بين النهائي و اللانهائي هي الوحدة الغير قابلة للانفصام و التي يبدو فيها النهائي لحظة رئيسية من لحظات اللانهائي ،فالله هو" حركة" نحو اللانهائي ، وبذلك فهو حركة بذاتها من حيث له إبطال للنهائي .

وحتى يكون الله لا يسعه أن يتخلى عن النهائي فبدون عالم ما مكان الله ...انه الكلي المطلق ... أي الفكر الأعلى الذي يتنامى واضعا تعييناته التي يردها إلى ذاته . و مع ذلك فان هيغل ينفي أن يكون من أنصار مذهب وحدة الوجود ، ففي معناه الحر في يقوم مذهب وحدة الوجود بنظر هيغل على اعتبار أن كل شيء ، هو الله ، بما في ذلك الوقائع الامبريقية في برانيتها ، و هذا التصور مجال لا يمتثل في أي دين و لا في أية فلسفة .

المبحث الثاني : أوجه التشابه بين الفلسفة و الدين:

نجد في الديانة الكونفيوشية البوذية أو التاوية في اليابان و الشرقية عموما هذا الخلط والتداخل بين الدين و الفلسفة ، ربما حدث لان الفلاسفة الشرقيين كانوا يحاولون تقريب المفاهيم إلى عامة الناس ، لهذا غرقت فلسفة الشرق بما فيها الفلسفة الإسلامية في الغوامض و الصوفيات و لم تستطع أن تنتج فلسفة عقلانية مماثلة للفلسفة الإغريقية رغم أنها تأثرت بها .

صحيح انه يبدو أن هناك الخلط أحيانا بين الفلسفة و قد توجد بعض الصعوبة في التفريق بينهما، لكن هذا الخلط غير مبرر وجود بعض أوجه الشبه بين الاثنين.

المسائل التي تتناولها كل من الفلسفة و الدين تميل إلي أن تكون متشابهة ، فكل من الدين والفلسفة يتعامل مع تساؤلات مثل:ما هو الخير وما هي الفضيلة ؟ ما معنى أن يعيش الإنسان حياة فاضلة ؟ ما هي طبيعة الواقع ؟ لماذا نحن هنا ؟ و ما الذي ينبغي علينا أن نفعل ؟ كيف يجب أن نعامل بعضنا البعض ؟ و ما هو الشيء الأكثر أهمية في الحياة؟

من الواضح ، إذن أن هناك ما يكفي من أوجه الشبه التي يمكن أن تجعل الأديان فلسفية أو تجعل الفلسفة دينية ، هل يعني هذا ببساطة أننا أمام كلمتين مختلفتين و لحكن لهما نفس المعنى و المفهوم ؟ لا ، هذا غير صحيح فهناك اختلافات جوهرية بين الدين و الفلسفة رغم تداخلهما مع بعضهما البعض في القضايا و الاهتمامات ، و بادئ ذي بدء ، فمن الاثنين الدين وحده يهتم بالطقوسيات ، ففي الأديان هناك مراسم الأحداث الهامة وهناك في الحياة (العيد و الميلاد و الوفاة (النبي و القديسين) و الزواج ،) في ذكرى أيام الربيع نيزور و عيد الأضحى وليلة القدر و الكريسماس ،و الحصاد و ما إلى ذلك )أوقات من السنة مهمة بالنسبة للدين أتباع الفلسفة و طلابها لا يتبعون أية إجراءات طقوسية فطلبة الفلسفة في الكلية مثلا لا يقوموا بغسل أيديهم قبل أن يدرسوا أفلاطون و هيغل على عكس طلبة كلية الشريعة الذين يفعلون ذلك قبل درس القرءان

وثمة فرق أخر هنا أيضا ألا وهو الفلسفة تميل إلى التأكيد على استخدام العقل و التفكير النقدي فقط ، بينما الأديان تستفيد فقط من العقلانية أحيانا عند الحاجة ..ولكنها في الغالب تدعو للاعتماد على الإيمان الأعمى الخالص و استبعاد المنطق والعقل و الحجة .

هناك أيضا عدد من الفلاسفة الذين زعما انه بالعقل وحده لا يمكن للإنسان اكتشاف الحقيقة و حاولوا و صف محدودية عقل الإنسان ، و لكن هذا لا يعني أن الفلسفة و الدين سيصبحان نفس الشيء تماما لماذا؟

لا يمكن أن تجدوا فيلسوفا حقيقيا مثل هيغل ، كانط ، أو راسل يقول أن فلسفته هي وحي من رب الرمال أو غيره من الأرباب و الإلهة ، الفلاسفة ليسو كرجال الدين فهم لا يقولن بان ادعاءهم يجب ان يؤخذ بطريقة إيمانية بدون نقاش أو جدال ،تلك الحجج و الادعاءات التي لا تجدي نفعا و الغير صحيحة هي من سمات الدين الذي يرجع كل شيء غالى الإيمان بالله ، وبالآلهة ، أو بالمبادئ الدينية التي جاءت من وحي تنزل من فوق أو من عند أشباح السماء ، اعتبار أشياء مقدسة و غيرها مدنسة هو ميزة تختص الأديان لا نجدها في الفلسفة و هي خاصية مقصورة على الدين فقط الدين يدرس أتباعه تقديس النصوص التي ترد فيما يعتبرونه كتب مقدسة ، بينما الفلسفة لا تعلم طلابها تبجل كتب سقراط أو ابن رشد أو فؤاد زكريا و لا تطلب منهم الوضوء قبل قراءة كتب جيمس هيوم و أخيرا فان معظم الديانات تشمل نوعا من الإيمان بالمعجزات السحرية الخارقة للعادة، وهي أحداث تتحدى أي تفسير علمي أو مجريات الطبيعة من حيث المبدأ ، إنها خوارق خارج الحدود ما ينبغي أن يحدث في قوانين الكون.

المعجزات تلعب دورا كبيرا جدا في كل دين ، وهي سمة مشتركة بين الأديان لا تجدها في الفلسفة ، نيتشه مثلا لم يولد من عذراء ، ولا يبدوا أن الملائكة شقت صدر سارتر و غسلته ، و لم يستطع هيوم أن يحول الماء إلى نبيذ ، ولم يضرب الفيلسوف سبنسر البحر بعصاه ...ولا يستطيع اسبينوزا أن يتكلم مع نمله مثل سليمان الحكيم ، وهكذا حتى لو تشابه الدين في بعض القضايا المشتركة مع الفلسفة فهذا لا يعني أنهما متماثلان ، بالعكس فهما و إن اشتركا في القضايا فهما يعالجانها بصورة مستقلة و مختلفة تماما .

المبحث الثالث:التوفيق بين الحكمة و الشريعة :

"الحق لا يضاد الحق به يوافقه ويشهد له ..." فصل المقال.وإذا تقرر هذا كله وكنا نعتقد معشر المسلمين أن شريعتنا هذه الإلهية حق...وأنها التي نبهت على السعادة ودعت إليها ... وهي المعرفة بالله تعالى وبمخلوقاته... وأن ذلك متقرر عند كل مسلم من الطريق الذي اقتضته طبيعته من التصديق وذلك أن طباع الناس متفاضلة في التصديق، فمنهم من يصدق بالبرهان ومنهم من يصدق بالأقاويل الجدلية,ومنهم من يصدق بالأقاويل الخطابية ،كتصديق صاحب البرهان بالأقاويل البرهانية...وذلك أنه لما كانت شريعتنا الإلهية قد دعت الناس من هذه الطرق الثلاث عم التصديق بها .إلا من بهجوها عنادا بلسانه أو لم تتقرر عنده طرق الدعاء فيها إلى الله تعالى لإغفال ذالك من نفسه ولذلك خص عليه بالبعث إلى الأحمر والأسود وذلك صريح في قوله تعالى"ادعوا على سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" وإذا كانت هذه الشريعة حقا وداعية إلى النظر المؤدي إلى المعرفة الحق يقول "فإنا معشر المسلمين نعلم القطع أنه لا يؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد به الشرع .فإن الحق لايضاد الحق بل يوافقه ويشهد له ".

الخــاتمــة :

ونخلص مما سبق إلى انه الفلسفة خادمة للإنسان و لا اعتقد بأنها مخالفة للشرع (الدين) ، بما أنها مجرد تساؤلات من خلالها يحاول إزالة الدهشة و الغموض و بالعكس فان الشريعة المتمثلة في القران و السنة دعت إلى النظر في الموجودات و حثت على أعمال البحث و العقل .....فالشريعة لا تتعارض مع الحكمة بل هما متوافقان و تسعيان نحو غرض واحد هو الفضيلة ، وكما رئينا فان ابن رشد يقر توافقهما و يؤكد بان التعارض هو بين كل من الفلسفة وظاهر الشرع وبين تأويلات المتكلمين الذين أوقعوا الناس في شنأن وتباغض وحروب و مزقوا الشرع و فرقوا الناس ....فان الفلسفة و الشريعة أفتان لا بالنسب بل بالرضاعة و ترضعان من منبع واحد و هو الحق ، وكما أنهما متطابقتان احدهما على الأخرى ، لأنهما كالظمارة التي لابد لها من البطانة و البطانة التي لابد لها من الظمارة.


قائمة المصادر و المراجع :

1- جورج زيناتي ، الفلسفة في مسارها ، الأحوال و الأزمنة للطباعة و النشر و التوزيع ، ط1" 2002م،1422ه.

2- رينه شروا هيغل و الهيجلية ، ترجمة دونيس العكرة ، دار الطليعة، بيروت ، لبنان ،ط1 ، فيفري 1993م

3- http :w.w.w ahlolhdee th.com/ ub/show thread.PHPPT=202796

بتاريخ 14-07-2009الساعة 3 PM03:

4- كتاب فصل المقال في التقرير ما بين الشريعة و الحكمة من اتصال صادر عن مركز الدراسات الوحدة العربية ....بيروت 1999، الدكتور محمد الجابري.

5- قصة الإيمان بين الفلسفة و العلم و القران للشيخ نديم الجسر لا يوجد تاريخ للطبعة أو نبذة عن حياة المؤلف .

6- كتب ابن رشد فيلسوف الشرق و الغرب ... تقديم د.محمد ألميلي ...المجتمع الثقافي في أبو ظبي الطبعة الأولى 1999م

7- عادل الكري ، الفلسفة لكل الناس ، دائرة الشؤون الثقافية والنشر ، بغداد الجمهورية العراقية ، 1985.



[1] - ابن رشد : فيلسوف الشرق والغرب

[2] - قصة الايمان

[3] - عن كتاب فصل المقال

[4] - كتاب المنقد من الظلال

[5] - فصل المقال: ( الفصل الأول ، التكلم بين الشريعة والحكمة )

هناك تعليق واحد: